مقال طويل لكنه يستحق القراءة( رؤية جديدة)
«شرقٌ» لمارسيل خليفة.. آفاق جديدة للتأليف الموسيقي
بقلم: عمار مروة
إذا كان صحيحاً أن الموسيقى هي وسيلة تعبير عن وعي الفنان ورؤيته للعالم وأحداثه من خلال حساسيته ووجدانه، فقد يصح القول أن عملية التأليف الموسيقي الآلي بعناصرها المتعددة والمتنوعة ( تأليف مقامي، تشكيلات هارمونية، توزيع واوركستراسيون) هي عملية صراع فكري وذهني في ارقى انواع التجريد، يخوضه المؤلف لتطويع هذه العناصر الاربعة (المذكورة أعلاه) مجتمعة لتنظيمها ضمن افضل تشكيلة علاقات، معادلات وتفاعلات صوتية تتوسل احتمالات للجمال قد لاينبغي لها أن تكون مطروقة سابقاً في وعي المؤلف وهو يتصارع مع صنمية النموذج السائد، وهو ما قد نسميه بالانكليزية بـ الـ «STEREO TYPE» ليتم له في النهاية إخراج عناصر التأليف الموسيقي الى نموذج اشمل يتلون ويزدهي بكل مايمكن من عناصر الحداثة والمعاصرة ! .
أسوق هذا الرأي الشخصي لتبرير اقتراح تسمية «شرق» برؤية موسيقية! بدلاً عن «شرق» سيرة موسيقية، فالسيرة قد تبتعد بالعمل كشكلٍ حر ومبتكر (ربما.. غير مسبوق بضخامته) ليصطدم باحتمالات سادت سابقاً او تسود الآن استهلاكياً لتبتعد به إذن عن هدفه وشكله المعاصرين.. كابتعاد الجغرافيا عن الزمان!
فالشرق كمكان موسيقي سابق وأيضاً كحالة موسيقية راهنة مازال يرزح تحت سلطة النماذج التراثية أو المستخدمة التي إذا ما تمت محاكاتها نظريا وَ (أو) مقاربتها أكاديميا بالتأليف السائد.. فغالباً ما يتم ذلك بشكل تقليدي وصنمي أو احياناً أخرى تجاري رخيص وهابط ليقع في مطب مقاييس السوق التجاري (عرض وطلب) أو سلطة (المال ورأس المال) الذي تحدده إما وسائل الإعلام الرسمي العربي حيث أغلب الأحيان الإسفاف أو الحياكة على منوال المادة التراثية بشكل ومضمون فولكلوري، وعلى الأكثر سلطة شركات الإنتاج الموسيقيّة (..) حيث سياسة التسطيح والابتذال تحت تبرير (الجمهور عايز كدة) التي تخفي نهج تحويل الذوق العام الى رغبات ومخططات (..) لضرب بقايا الحصانة الانفعالية التي تم بناؤها وتطويرها من أربعينات حتى سبعينات القرن الماضي والتي ازدهرت واثمرت في لبنان وسوريا ومصر والعراق..!
إذن «شرق.. رؤية موسيقية»، تسمية لعلها تفتح افقاً أكثر حيوية وحرية وانعتاقاً على المستقبل والنماذج البديلة والمعاصرة! رغم ان نوافذ العمل مفتوحة باتجاه الشرق بامتياز وعلى مصراعيها ورغم اسلوب التفكير السيمفوني السائد في التأليف والاركسة كما سنرى لاحقاً في هذه المقالة، علماً أن مسألة التسميات ذاتها قد لا تقدم ولا تؤخر في مضمون العمل وتفاصيله التي سنتعرض لها، كيف لا، والعمل يزدحم بمختلف عناصر التجديد والمعاصرة شكلاً ومضموناً! كيف؟
للحديث بجدية وموضوعية عن عمل شمولي معقد ومفتوح على احتمالات جمالية متعددة لا بد أن يتطرق هذا الحديث الى اربعة مستويات اساسية متلازمة ومتشابكة يرتكز عليها العمل بشكل كبير ومكثف وهذه المستويات هي: 1- البناء الميلودي، 2- البناء الهارموني، 3- التوزيع الموسيقي، 4- النسيج البوليفوني والاوركستراسيون.
(1)- البناء الميلودي:
هو بمثابة العمود الفقري او الهيكل العظمي الذي ترتكز عليه طبيعة التأليف ويتضمن ما يعرف بالمود «MODE» وهو ما يقابل المقام بالعربية، أنواعه، طبيعته، موازينه، مفاتيحه وايقاعاته. كما قد يندرج تحته ايضاً المفاصل والعلاقات التي تربطه ببعضه (جمل ايقاعية، سكك مقامية، نقلات (اما التحويلات والتنويعات فقد تندرج ايضاً تحت الاوركستراسيون!).
(2)- البناء الهارموني:
ويتضمن ما يحمله العمل من تآلفات واصصحابات، (وتعبير الاصصحاب هنا هو للارموي صفي الدين) وقد سمـّاه الشيخ الرئيس ابن سينا «تعدد التصويت» وللعلم والخبر عـّددَ لنا ابن سينا منه اربعة انواع كانت على زمانه وهذه الانواع هي: 1- الترعيد، 2- التمزيج، 3- التوصيل، 4- التركيب.. وثم استخرج ابن سينا نوعاً من التمزيج سمـّاه التشقيق .. كما استخرج من التركيب نوعاً سمـّاه «الإبدال»! نذكر هذه المقاربات التاريخية لا لغاية في نفس يعقوب فقط.. بل لأن هذه الحقيقة هي مفخرة لتاريخ العرب الموسيقي في الوقت الذي نجد فيه بعض المتزمتين الذين يعاندون احياناً بأن تعدد الأصوات لا يجوز في موسيقى الشرق! كما نراهم يمزجون بجهل حيناً وبتجاهل خبيث احياناً اخرى بين تعدد الاصوات وبين تعدد الالحان!.. وهنا يجدر ذكر أنه قديماً، في العصر العباسي، كان يقال تعدد الاصوات وتعدد التصويت . على كل حال يمكن ان نشـّبه هذا المستوى أي البناء الهارموني بالجهاز العضلي الذي يُـلبِسُـهُ المؤلف للجهاز العظمي المذكور سابقاً باسم «الميلوديا» وبذلك يخلق المؤلف جواً تعاونيا ومناخاً جماعياً اذا ما احسـِنَ اختيار نسيجه وجودة صنعته .. ارتفع العمل من محليته وجغرافيته الى احتمالات عالميته ومستويات جمالية اشمل واعمق مضموناً وتذوقاً فيتم بذلك تثويره وتطويره بمختلف عناصر ومصادر العلوم الموسيقية من معادلات هارمونية قد تنفتح الى احتملاتها الكونتربوانتيه أولاً، وتضاعفاتها البوليفونية ثانياً، التي قد تفتحها ثنايا ومضامين العمل وآفاقه، وتبتكرها قدرات المؤلف ودرجه نبوغه!
(3)- التوزيع الموسقي:
يفتح التوزيع الموسيقي احتمالات التفاعل بين آلات من نفس العائلة والآلات من العائلات الاخرى، وتريات مثلاً، ثم نفخ نحاسي او خشبي وايقاعيات وفي «شرق» كثيرة ومتعددة (والايقاعات عليها ستة عازفين) كما بين الآلات وبين الكورال الذي يمكن اعتباره اربع آلات موسيقية ذات اربع طبقات هي: 1- سوبرانو، 2- التو، 3- باريتون، 4- باص.. وهي موزعة على ثلاثة اصوات نسائية وثلاثة رجالية .. وعبر هذه التفاعلات بين كل انواع الآلات والاصوات تبدأ خريطة البوليفونيا بالظهور كما سنرى في «شرق» لاحقاً.
(4) - النسيج البوليفوني والاوركستراسيون:
يتوالد هذا المستوى من مزيج العناصر المذكورة اعلاه بمزجها ضمن عملية التأليف بتقنيات الاركسة (من اوركسترا) العالمية المتعددة الانواع والاساليب حسب الحقب التاريخية والجغرافية واحياناً حسب المدارس القومية والتي كثيرا ما يأخذ المؤلفون اساليب اصبحت موديلا .. وهو ما يعرف بـ السيتات «CITAAT» خصوصاً في التوزيع والاركسة وغالباً ما تحدث هذه في النقلات والقفلات والسكك.. كما يدخل ضمن النسيج البوليفوني والاركسة فنون التوزيع على مقام ما، ثم التأليف عليه ويمكن ان يكون مادة من المقام لمؤلف آخر مشهور (كما فن الموديلسيون).. كما يتم استخدام فنون اخرى سيجري التعرض لها في «شرق» لاحقاً وقد يبدو مثيراً هنا ذكر انه من الممكن ان تتعثر قليلاً بعض اعمال كبار المؤلفين العالميين العظماء بسبب ضعف نسيج الاركسة لديهم، كما حدث مثلا مع «شوبان» في كونشرتوان البيانو لديه، حيث لم يتواز ان يتناسب عنده عظمة وقوة ونبوغ التأليف لديه لآلة البيانو مع قدرة الاركسة التي شابها بعض الضعف رغم كل القوة التعبيرية الضخمة للاوركسترا السيمفونية التي يصل تعداد آلاتها الى مئة آلة.
هذه هي المستويات الاربعة التي يجب النظر اليها وعبرها عند الحديث عن عمل كبير ومعقد بمستوى «شرق» رغم سلاسته وعذوبته وبساطة الوقوع في حبه واستذواقه واسره.
كما يجب ادراك ان الحديث عن هذه المستويات متشابك لانه كثيرا ما يصعب فصلها خلال عمل مكتوب لـ200 مئتي موسيقي هم مئة موسيقي تعداد اوركسترا السيمفونية ومئة تعداد الاصوات الاربعة للكورال يتوحد هذا العمل عبرهم من خلال المستويات الاربعة ليتناول قوة وضعف، سذاجة وعمق المواضيع والثيمات الموسيقية المرتبطة بتاريخ وتراث وحضارة المنطقة الشرق - عربية بهذا المحتوى والعمق الموسيقي المتطور، حيث التقنية العالية التي عالج بها مرسيل خليفة الجـُمل الموسيقية وربطها ببعضها البعض افقياً وعمودياً من الناحية التركيبية (هارمونياً وبوليفونياً) على اساس ينهل مما في موروث هذه الحضارة والتراث العربي والشرق اوسطي من موشحات وادوار وقدود وطقاطيق وبشارق وسماعيات ولونغات واهازيج وتهاليل رفعها من شكلها الغنائي البسيط حيناً والساذج احياناً اخرى (وهذا ليس عيباً) والقوي والغني احياناً اخيرة بجماله الداخلي او ايقاعاته التي فتحت في مخيلة خليفة افقا موسيقيا اكبر لها ارفعها كلها إذن بعد ان عجنها بحساسية وعالجها بحكمة فغدت ذات مضمون وشكل موسيقي مكثف دسم ثم اركسها بتصاميم ملفتة !..أما كيف استطاع ذلك ؟ فهو الاهم!..
إذا نظرنا باهتمام وبعمق الى المواد والاشكال المذكورة اعلاه والتي صاغها خليفة على اساس خريطة بوليفونية مبتكرة قد نجد انه يصعب القول ان الميلوديات كانت مسيطرة على الخريطة الهارمونية كما انه يصعب القول ان العكس قد حصل!.. قد يمكننا القول بتأكيد ان النزعة والطابع الغنائي كانت دائما موجودة! أما كي نثبت غـَلـَبة الميلودية او الهارمونية على الاخرى فيجب ان نراعي ميلودية الموضوع الذي عمل عليه خليفة كما درجة حساسيته تجاه الميلوديا والشرق.
العمل مبني على التأليف والتجديد والتنويع على مواد تراثية قديمة منها مثلاً (قطر الندى، البلبل نادى غصن البال، ذِكـر، ألا يا زين، موشحات، طقاطيق، قدود، ادوار، لونغات بشارف، سماعيات.. حيث الغنائية والشعرية والطابع التلحيني متمسكة بأوصال ومفاصل تاريخ الموسيقى العربية الذي هو تاريخ غنائي تلحيني (وهذا لا يعطي احد حق اعتباره نقصاً او ضعفاً) بل لعله طابع قوة إذا ما توفر له المؤلف البارع القادر على هضم واستيعاب هذا التراث لتطعيمه وتثويره بمصادر المعاصرة والحداثة .. اذن كان على خليفة ان يمر على هذه الاجواء من داخلها .. عمقها وتفاصيلها طالما اختار موضوعاً حساساً من ناحية المضمون (وإن كان يستهلك سابقاً بشكلٍ سيئ على مستوى التأليف - اعني به التراث الموسيقي).
لكن ولكي لا يقع خليفة في هذا المطب كان عليه ان يفلت ويقاوم بالنسيج البوليفوني وتعدد الاصوات والاوركستراسيون وبكل ما يناسب العمل والموضوع من عناصر العلوم الموسيقية الحديثة واساليب التفكير المعاصرة كالتفكير السيمفوني او حتى الجاز اذا امكن على ان تبقى هذه العناصر والاساليب محافظة الى الحد الاقصى على اجواء الزمان والمكان والوصف والسرد الموسيقي الميلودي الطابع (الغنائي) الضرورية لجهة التصاقها بذاكرة الناس ومزاجهم ولغتهم وادابهم واديانهم وتراثهم الذي هو مجموع كل تلك الاشياء والعناصر (مثلا: غناء بيزنطي - تلوينات كنسية سريانية او غيرها - اجواء اسلامية من الذِكـْر والمدائح والتجويد - بحور شعر - اجواء صحراء - موشحات ...) كلها اجواء توحي بالخشوع والاستغراق والاسترخاء والحنين والنوستلجيا والحميمية حيث لذة واغراء الميلوديا لابد لها لمواجهتها من جهود كبيرة في التأليف البوليفوني والروح الجماعية لتهاليل الكورال والتعاونية بينها جميعاً بالهارمونيا وتلويناً للصوت بالزخرفة ORNAMENTS وتثوير المود باشباعه بروح الثيمة الشرقية له.
الملفت ان المستمع المتخصص يمكن له ان يلاحظ ان مفردات وترددات المعادلات الهارمونية لم تنهل من حقبة تاريخية واحدة، بل نسمع باستمرار تمازج لنماذج مختلفة من الحقبات فهناك نماذج من المرحلة الكلاسيكية والباروك والرومنطيقية والنيورومنطيقية واخرى غيرها.. حتى نراه في الحركة الما قبل الاخيرة ينتقل بالاوركسترا من تشكيل اوركسترا سيمفونية الى تشكيل جاز BIG BAND وهذا التحويل نجح الى حد كبير وبسلاسة من حيث النقلة وبطراوة وبحلاوة من حيث الطابع الغنائي لحركة الجاز تلك.
لكن خليفة وان ترك الخارطة الهارمونية للنص الموسيقي مفتوحة بوليفونياً على كل الحقبات التاريخية من حيث تراكيبها الهارمونية لكنه بقي محافظاً ومتحفظاً CONSERVATIVE في ان يترك للنص ان يختار ما يناسبه او يتناسب معه في كل جملة من جمل السرد الموسيقي في التوليفة الموسيقية للنسيج البوليفوني عامة!! وكأنه كان بذلك يعبـّر عن احترامه لاصل المود MODE في نشأته المقامية الاولى تراثياً! وهذا ينـُمُ ربما عن الجهد البارع في اهتمامه لما يتناسب معه لا اكثر ولا اقل، لا اعقد ولا ابسط فلا يقع في الصخب والاسفاف ولا في الاستغراق الاجوف والحميمية المفرطة في المونوفونيه فتزدهر النفحة والروح الشرقية بما يتناسب معها من العصرنة والحداثوية وهنا الانفتاح على الممكن كله فيتم وضع السرد والوصف الموسيقيين في اطار الزمان (القرن الواحد والعشرون) وليس فقط المكان بل كلاهما معاً الزمان والمكان! وهذا على ما اعتقد غدا من ابرز الخصائص الموسيقية لشخصية خليفة التي تبدو واضحة لنا في اعمال سابقة مهمة له مثل «جدل» وكونشرتو العود والاوركسترا «الاندلس» تـُضاف الى عدة مزايا له منها الروح المشبعة بالتمرد على سيولة الميلودي FLUIDITY OF THE MELODY وهو ما ليس متعارفا عليه عندنا أي كسر الميلودي وهو بذلك يخاطر في كسر «شعبية ما» لصالح فكرة التأليف الموسيقي أولاً ثم ثانياً لصالح تثويره باركسته وتوزيعه وهي كلها متلازمة (تأليف توزيع واركسة) وهو في هذا يلعب مداعباً أجمل فنون التنويع والتلوين للمود الجديد الذي يتطور معه من كسره لسيولة الميلوديا مما يضخ فيها روحا جديدة ودفقاً في التأليف ويضفي جواً من القوة والفرح وهذه حتماً من خصائص المؤلفين الكبار.
باختصار يمكن تلخيص كل ما قيل اعلاه بأن «شرق» لم تأت كلياً لمصلحة الميلوديا، ولا كلياً لمصلحة الهارمونيا، وان ظلت النزعة والطابع الغنائي مزدهرا عبر كل الخريطة البوليفونية للعمل لتُـبقي المود طافحاً بالثيمة الموسيقية الشرقية فيترسخ فيه مناخات الوصف والسرد الموسيقي لتضعهما مباشرة في اجواء الزمان والمكان فيخرج العمل من «شرق السيرة الموسيقية» القديم الى الشرق الجديد، الرؤية الموسيقية المعاصرة بكثير من البلاغة التي ازدحم بها النسيج العام بوليفونياً، وحتى في اللحظات القليلة التي كانت فيها الكتابة تأخذ شكلاً افقياً، أي في اللحظات التي تفردت فيها روح الميلوديا.
اما عندنا انحسرت تلك الروح المونوتونية لصالح البوليفونيا والاركسة نرى تلك التشكيلات اخذت اشكالاً وتراكيب ومعادلات لمراحل وحقبات مختلفة.
ما أن تطالعك تلك المقدمة المسبوكة بقوة تأليف قلّ نظيرها (الحركة الاولى) من حيث الضخامة في التجهيز الاوركسترالي حتى يـُبهر المستمع والمشاهد بذلك الاشراق الذي يزدحم به نسيج البوليفونيا المفتوح على تفاعلات بين الآلات ببعضها وبين الالات ثانيا والكورال فما أن تبدأ الضربة الاولى للايقاع مع الاربيج الذي يقومان به آلتا الهارب «HARP» حتى تبدأ المقدمة مفتوحة وبقوة رهيبة على الديابازون الاوركسترالي كله نرى مجموعات «بيكولو-تويه» مفتوحة بقوة على الات النفخ الخشبي مفتوحة على ديابازون فيلون-كونترباص على ديابازون الكورال فيحدث ما يشبه انفجار درامي يزدحم باحتمالات جمالية مفتوحة على صرخات وتهاليل فيها نوع من انواع التوازن الخفي بين النوستلجيا واستشراق التمرد والقوة والتوق للانعتاق نحو جمال ما مطلق وعلى الرغم من النزعة الغنائية الداخلية يدهشك فيها كيف ضاعت روح الميلوديا واختفت كلياً لتعلن انحسارها لصالح فن التأليف البوليفوني المزدحم بتفاصيل الاوركستراسيون والتثوير! بحيث قد يصعب اللحاق بالمود لمعرفة مع من غدت الجملة الاساسية او المرافقة والمساعدة والهارمونية ومع من الاكورات ومن ينفذ الايقاعات او اجزم ان هذا كان مقصوداً بلا ادنى شك من ضمن فلسفة التأليف التي تعمدت التمرد على سيولة الميلوديا في الحركة الاولى لمقاومة الثيمة لمصلحة التأليف وفتح المود على افاق الاركسة بحيث يتم تثوير النوستلجيا وحنين الاستغراق والاستسلام لقوة الغنائية بالبوليفونيا ! وهذا واضح، لا غبار عليه .. وصل به التأليف الى ذروة البلاغة حتماً! وربما يمكن القول ان هذه قد تكون نماذج ومقترحات للتعامل الموسيقي مع المادة التراثية فيضيع الميلودي رغم بقاء الغنائية واضحة ويزدهر العمل الاوركسترالي بروح الزواج بين الاصالة والمعاصرة ورغم ان البعض قد يجد تعارضاً ما او صعوبة في فهم هذا.. فلا بد من التأكيد ان الموسيقي الاصيل لا بد ان يكون معاصراً.. كما انه ليكون معاصراً بالمعنى الاكاديمي العلمي وبالمعنى الروحي ايضاً فانه لا يستطيع الا ان يكون اصيلاً.
ما ان تنتهي الحركة الاولى يظهر انطباع وكأن انتصاراً او اجواء احتفال بانتصار قد حدث.. فيدخل الموتيف الجديد MOTIVE الذي سنسمعه يتكرر خلال ثنايا الحركة الثانية باشكال مختلفة.. اجملها ما سوف يأخذ طابع «السينكوب» يبدأ الموتيف الجديد اذن لمجموعة آلات النفخ اثنان «فلوت» واثنان«أُبوا» واثنان «كلارنيت» على خلفية بوليفونية لآلة «الباسون». تتناوب هذه الآلات على الموتيف الجديد لتنوِّعْ عليه ثم تُـسلـّمهُ الى الوتريات التي تنوع عليه ايظاً بشكل ايقاعي نقري «PIZZIKATO » ويتطور التأليف وتتالى الحركات الاخرى لتتنوع تقنيات التأليف وتتناوب على الثيمات الاخرى وما ابرع خليفة في التأليف عليها مرة بكسرها لتتناسل معه المودات ومرة اخرى بالتنويع عليها والتحول بها الى جُـمل اخرى وولادات لها يطورها بالايقاعات مرات ومرات .. يظهر هذا اكثر ما يظهر في الحركة الثانية.. وهلم جرا..
اما اهم ما تميزت به روح التأليف عند خليفة في هذا العمل فكان في الدور الاساسي والكبير «للايقاع» حيث لعب ببراعة على تقنياته فخلق نقلات بارعة تشعرك احيانا وكأنها سكك مود.. اما اذكى تقنياته فكانت تمرده على بداية أي ايقاع يباشره .. حيث يبدأ واضحاً فما ان يرتاح المستمع ويشعر بنزعة للاستسلام له حتى يبادر فوراً الى كسره اولاً ثم ينتقل الى ما يشبهه رويداً رويداً ليخرج منه! اما كيف برزت اهمية الايقاع في العمل، فكان اولاً في عدد العازفين وهم ستة عازفين وكان ايضاً غير مألوف حيث جلسوا بالضبط وسط الاوركسترا افقياً وليس في الاخير او الى اليسار او اليمين كما عادةً وكانوا غالباً ما يلعبون ايقاعات مركبة وكان خليفة يستعمل ايقاعات عربية يقوم بتوظيفها بذكاء حيث يلجأ لتضخيم الطاقة التعبيرية بواسطة طريقة عزفها كما حصل مع ايقاع «المصمودي» حيث تم عزفه على الوتريات بالقوس مباشرة وليس بالنقر كما يحدث عادة على اوتارها (ديابازون «فيلون - كونترباص») مما ضاعف من شحنة الطاقة التعبيرية لايقاع المصمودي بشكل ضخم ليفتح عليه موسيقى «قطر الندى» فنقلها من نعومتها وطراوتها الى مستوى عال جداً من القوة والصلابة والعزم وكأنها اجواء احتفالات بانتصار ما سيحدث فوراً ونجح في ذلك الى حدٍ كبير! كما نراه يستعمل ايقاعات عربية اخرى يتلاعب بدرجة توترها لاحقاً فيزيد من عدد ضرباتها او يقللها ليتمرد عليها فيستفز المستمع بجمالية ذكية قبل ان يسترخي لرتابة الايقاع .
بوضوح، يمكن انتشال ايقاع «المصمودي الكبير» 4/4 «والمصمودي الصغير» 2/4 وايقاع «دور هندي»7/8 كما ينجح في استعمال ايقاع السماعي الثقيل 10/8 فيما يشبه اجواء الموشحات! كما يمكن انتشال ايقاع «سماعي دارج» في اشاعة اجواء افراح واحتفالات لكنه يكسرها كما ذكرنا لمصلحة التأليف والتنويع وخلق ايقاعات اخرى وهذه عوامل إذا ما أُضيفت الى تقنيات اخرى استعملها في التوزيع والاركسة، مثل الكريشندات والاربيجات والابوجاتورا والاتشيكاتورا والموردنت والجربيتو والجليسيندات والسينكوب وبقية فنون الحليات والزخرفة والتلوين «ORNAMENTATIONS» كلها ساهمت في اضافة المزيد من الاضواء واجواء اللمعان والزهو والفرح والرقص والغنائية والانتصارات وكأن مجموعة افراح واعراس واعياد ومواسم حصاد وقطاف محاصيل وازهار وعبق من الف نوع ولون وكثيراً ما كان يظهر عبرها العازفون في حالة انتشاء، كان يستعمل الكورال بشكل اساسي وتتحول الاوركسترا الى خلفية له واحيانا العكس واكثر الاحيان في ادوار الكورال كان ينقسم الى اصوات اساسية واخرى مساندة ولكن لشدة تعقد النسيج البوليفوني ينبغي للاذن ان تسعى جاهدة لالتقاط تلك الحالات وهي كثيرة.
كما كان يستعمل الكورال ببراعة للتلوين المقامي كما يستعمله مع الاوركسترا لتنفيذ تقنيات الـ VARIATION MODAL وكان يبرع في الاستفادة منه في توسيع افاق الاركسة والتوزيع، كما يجب التطرق لعملية الاستفادة من تكنيك الـCITAAT الذي استعمله للعبور بين المقاطع كجسر مقامي ربما... فنلاحظ انواعاً منه لطالما استعملها المؤلفون الكبار في اواسط واواخر القرن الماضي واهمها وابرزها كان CITAAT يستعمله المؤلف الكبير CARL ORLF في عمله الضخم CARMINA BURANA وقد استعمله المؤلف اللبناني الكبير منصور الرحباني في احدى اجمل مسرحياته الغنائية «آخر ايام سقراط» كما نسمع في شرق CITAAT اخر من وحي بيرنشتاين واخر يذكر باجواء كوبلاند وكانا مناسبين تماماً للطبيعة الشرقية الخلابة لعمل خليفة وخامتها الميلودية المشبعة بالثيمة، حتى عندما حـوّل خليفة الاوركسترا والكورال الى تشكيلة «BIG BAND» ليلعب على تقنية الجاز بقي المقطع المذكور مشبع بالثيمة التي اخذت تأثيرات من HOLLYWOOD في الاركسة رغم بقاء دور الكورال كبيرا واساسياً، اما اجمل النقلات التي قد تستغربها الاذن الشرقية قليلاً فكانت دور الوتريات (الكمنجات تحديدأ) بعد ضربات الايقاع المنذرة بنهاية العمل قبل الحركة الاخيرة حيث نرى توق ونزعة خفيفة لمقاربة «الكونتربورين» لكنها نزعة عابرة وضمن المود العام ولم تشطح ابداً باتجاه مايعرف بـ الـ ATONAL مما كان لن يتناسب مع العمل لو حدث.
كثيرة هي النقلات والتنويعات والموديلات MODILATIONS والتأليفات عليها والقفلات وانواع الـCITAAT في الاركسة والتي قد يطول الحديث عنها والتي ستأخذنا الى نهاية العمل في ذروته حيث الـAPOTHEOSIS عندما يختم خليفة بالحركة الاخيرة على اساس الحركة الاولى المنفذة على TEMPO اسرع وهي حتماً خاتمة خليقة كنهاية وقفلة لعمل كبير مزدهر بافكار وتفاصيل وتقنيات قد لا ابالغ ابداً اذا قلت انه فيها ما يمكن اعتباره اشكالا، حوافز ومقترحات تطوير وتحديث افاق مشروع التأليف الالي للعقل الموسيقي العربي الجديد في اكثر تطلعاته العالمية للمعاصرة دون ان تغيب عنها اصالتها وارتباطاتها المحلية والجغرافية اللتان يزدهر بهما عمل خليفة الجديد بإشراق.
«شرقٌ» لمارسيل خليفة.. آفاق جديدة للتأليف الموسيقي
بقلم: عمار مروة
إذا كان صحيحاً أن الموسيقى هي وسيلة تعبير عن وعي الفنان ورؤيته للعالم وأحداثه من خلال حساسيته ووجدانه، فقد يصح القول أن عملية التأليف الموسيقي الآلي بعناصرها المتعددة والمتنوعة ( تأليف مقامي، تشكيلات هارمونية، توزيع واوركستراسيون) هي عملية صراع فكري وذهني في ارقى انواع التجريد، يخوضه المؤلف لتطويع هذه العناصر الاربعة (المذكورة أعلاه) مجتمعة لتنظيمها ضمن افضل تشكيلة علاقات، معادلات وتفاعلات صوتية تتوسل احتمالات للجمال قد لاينبغي لها أن تكون مطروقة سابقاً في وعي المؤلف وهو يتصارع مع صنمية النموذج السائد، وهو ما قد نسميه بالانكليزية بـ الـ «STEREO TYPE» ليتم له في النهاية إخراج عناصر التأليف الموسيقي الى نموذج اشمل يتلون ويزدهي بكل مايمكن من عناصر الحداثة والمعاصرة ! .
أسوق هذا الرأي الشخصي لتبرير اقتراح تسمية «شرق» برؤية موسيقية! بدلاً عن «شرق» سيرة موسيقية، فالسيرة قد تبتعد بالعمل كشكلٍ حر ومبتكر (ربما.. غير مسبوق بضخامته) ليصطدم باحتمالات سادت سابقاً او تسود الآن استهلاكياً لتبتعد به إذن عن هدفه وشكله المعاصرين.. كابتعاد الجغرافيا عن الزمان!
فالشرق كمكان موسيقي سابق وأيضاً كحالة موسيقية راهنة مازال يرزح تحت سلطة النماذج التراثية أو المستخدمة التي إذا ما تمت محاكاتها نظريا وَ (أو) مقاربتها أكاديميا بالتأليف السائد.. فغالباً ما يتم ذلك بشكل تقليدي وصنمي أو احياناً أخرى تجاري رخيص وهابط ليقع في مطب مقاييس السوق التجاري (عرض وطلب) أو سلطة (المال ورأس المال) الذي تحدده إما وسائل الإعلام الرسمي العربي حيث أغلب الأحيان الإسفاف أو الحياكة على منوال المادة التراثية بشكل ومضمون فولكلوري، وعلى الأكثر سلطة شركات الإنتاج الموسيقيّة (..) حيث سياسة التسطيح والابتذال تحت تبرير (الجمهور عايز كدة) التي تخفي نهج تحويل الذوق العام الى رغبات ومخططات (..) لضرب بقايا الحصانة الانفعالية التي تم بناؤها وتطويرها من أربعينات حتى سبعينات القرن الماضي والتي ازدهرت واثمرت في لبنان وسوريا ومصر والعراق..!
إذن «شرق.. رؤية موسيقية»، تسمية لعلها تفتح افقاً أكثر حيوية وحرية وانعتاقاً على المستقبل والنماذج البديلة والمعاصرة! رغم ان نوافذ العمل مفتوحة باتجاه الشرق بامتياز وعلى مصراعيها ورغم اسلوب التفكير السيمفوني السائد في التأليف والاركسة كما سنرى لاحقاً في هذه المقالة، علماً أن مسألة التسميات ذاتها قد لا تقدم ولا تؤخر في مضمون العمل وتفاصيله التي سنتعرض لها، كيف لا، والعمل يزدحم بمختلف عناصر التجديد والمعاصرة شكلاً ومضموناً! كيف؟
للحديث بجدية وموضوعية عن عمل شمولي معقد ومفتوح على احتمالات جمالية متعددة لا بد أن يتطرق هذا الحديث الى اربعة مستويات اساسية متلازمة ومتشابكة يرتكز عليها العمل بشكل كبير ومكثف وهذه المستويات هي: 1- البناء الميلودي، 2- البناء الهارموني، 3- التوزيع الموسيقي، 4- النسيج البوليفوني والاوركستراسيون.
(1)- البناء الميلودي:
هو بمثابة العمود الفقري او الهيكل العظمي الذي ترتكز عليه طبيعة التأليف ويتضمن ما يعرف بالمود «MODE» وهو ما يقابل المقام بالعربية، أنواعه، طبيعته، موازينه، مفاتيحه وايقاعاته. كما قد يندرج تحته ايضاً المفاصل والعلاقات التي تربطه ببعضه (جمل ايقاعية، سكك مقامية، نقلات (اما التحويلات والتنويعات فقد تندرج ايضاً تحت الاوركستراسيون!).
(2)- البناء الهارموني:
ويتضمن ما يحمله العمل من تآلفات واصصحابات، (وتعبير الاصصحاب هنا هو للارموي صفي الدين) وقد سمـّاه الشيخ الرئيس ابن سينا «تعدد التصويت» وللعلم والخبر عـّددَ لنا ابن سينا منه اربعة انواع كانت على زمانه وهذه الانواع هي: 1- الترعيد، 2- التمزيج، 3- التوصيل، 4- التركيب.. وثم استخرج ابن سينا نوعاً من التمزيج سمـّاه التشقيق .. كما استخرج من التركيب نوعاً سمـّاه «الإبدال»! نذكر هذه المقاربات التاريخية لا لغاية في نفس يعقوب فقط.. بل لأن هذه الحقيقة هي مفخرة لتاريخ العرب الموسيقي في الوقت الذي نجد فيه بعض المتزمتين الذين يعاندون احياناً بأن تعدد الأصوات لا يجوز في موسيقى الشرق! كما نراهم يمزجون بجهل حيناً وبتجاهل خبيث احياناً اخرى بين تعدد الاصوات وبين تعدد الالحان!.. وهنا يجدر ذكر أنه قديماً، في العصر العباسي، كان يقال تعدد الاصوات وتعدد التصويت . على كل حال يمكن ان نشـّبه هذا المستوى أي البناء الهارموني بالجهاز العضلي الذي يُـلبِسُـهُ المؤلف للجهاز العظمي المذكور سابقاً باسم «الميلوديا» وبذلك يخلق المؤلف جواً تعاونيا ومناخاً جماعياً اذا ما احسـِنَ اختيار نسيجه وجودة صنعته .. ارتفع العمل من محليته وجغرافيته الى احتمالات عالميته ومستويات جمالية اشمل واعمق مضموناً وتذوقاً فيتم بذلك تثويره وتطويره بمختلف عناصر ومصادر العلوم الموسيقية من معادلات هارمونية قد تنفتح الى احتملاتها الكونتربوانتيه أولاً، وتضاعفاتها البوليفونية ثانياً، التي قد تفتحها ثنايا ومضامين العمل وآفاقه، وتبتكرها قدرات المؤلف ودرجه نبوغه!
(3)- التوزيع الموسقي:
يفتح التوزيع الموسيقي احتمالات التفاعل بين آلات من نفس العائلة والآلات من العائلات الاخرى، وتريات مثلاً، ثم نفخ نحاسي او خشبي وايقاعيات وفي «شرق» كثيرة ومتعددة (والايقاعات عليها ستة عازفين) كما بين الآلات وبين الكورال الذي يمكن اعتباره اربع آلات موسيقية ذات اربع طبقات هي: 1- سوبرانو، 2- التو، 3- باريتون، 4- باص.. وهي موزعة على ثلاثة اصوات نسائية وثلاثة رجالية .. وعبر هذه التفاعلات بين كل انواع الآلات والاصوات تبدأ خريطة البوليفونيا بالظهور كما سنرى في «شرق» لاحقاً.
(4) - النسيج البوليفوني والاوركستراسيون:
يتوالد هذا المستوى من مزيج العناصر المذكورة اعلاه بمزجها ضمن عملية التأليف بتقنيات الاركسة (من اوركسترا) العالمية المتعددة الانواع والاساليب حسب الحقب التاريخية والجغرافية واحياناً حسب المدارس القومية والتي كثيرا ما يأخذ المؤلفون اساليب اصبحت موديلا .. وهو ما يعرف بـ السيتات «CITAAT» خصوصاً في التوزيع والاركسة وغالباً ما تحدث هذه في النقلات والقفلات والسكك.. كما يدخل ضمن النسيج البوليفوني والاركسة فنون التوزيع على مقام ما، ثم التأليف عليه ويمكن ان يكون مادة من المقام لمؤلف آخر مشهور (كما فن الموديلسيون).. كما يتم استخدام فنون اخرى سيجري التعرض لها في «شرق» لاحقاً وقد يبدو مثيراً هنا ذكر انه من الممكن ان تتعثر قليلاً بعض اعمال كبار المؤلفين العالميين العظماء بسبب ضعف نسيج الاركسة لديهم، كما حدث مثلا مع «شوبان» في كونشرتوان البيانو لديه، حيث لم يتواز ان يتناسب عنده عظمة وقوة ونبوغ التأليف لديه لآلة البيانو مع قدرة الاركسة التي شابها بعض الضعف رغم كل القوة التعبيرية الضخمة للاوركسترا السيمفونية التي يصل تعداد آلاتها الى مئة آلة.
هذه هي المستويات الاربعة التي يجب النظر اليها وعبرها عند الحديث عن عمل كبير ومعقد بمستوى «شرق» رغم سلاسته وعذوبته وبساطة الوقوع في حبه واستذواقه واسره.
كما يجب ادراك ان الحديث عن هذه المستويات متشابك لانه كثيرا ما يصعب فصلها خلال عمل مكتوب لـ200 مئتي موسيقي هم مئة موسيقي تعداد اوركسترا السيمفونية ومئة تعداد الاصوات الاربعة للكورال يتوحد هذا العمل عبرهم من خلال المستويات الاربعة ليتناول قوة وضعف، سذاجة وعمق المواضيع والثيمات الموسيقية المرتبطة بتاريخ وتراث وحضارة المنطقة الشرق - عربية بهذا المحتوى والعمق الموسيقي المتطور، حيث التقنية العالية التي عالج بها مرسيل خليفة الجـُمل الموسيقية وربطها ببعضها البعض افقياً وعمودياً من الناحية التركيبية (هارمونياً وبوليفونياً) على اساس ينهل مما في موروث هذه الحضارة والتراث العربي والشرق اوسطي من موشحات وادوار وقدود وطقاطيق وبشارق وسماعيات ولونغات واهازيج وتهاليل رفعها من شكلها الغنائي البسيط حيناً والساذج احياناً اخرى (وهذا ليس عيباً) والقوي والغني احياناً اخيرة بجماله الداخلي او ايقاعاته التي فتحت في مخيلة خليفة افقا موسيقيا اكبر لها ارفعها كلها إذن بعد ان عجنها بحساسية وعالجها بحكمة فغدت ذات مضمون وشكل موسيقي مكثف دسم ثم اركسها بتصاميم ملفتة !..أما كيف استطاع ذلك ؟ فهو الاهم!..
إذا نظرنا باهتمام وبعمق الى المواد والاشكال المذكورة اعلاه والتي صاغها خليفة على اساس خريطة بوليفونية مبتكرة قد نجد انه يصعب القول ان الميلوديات كانت مسيطرة على الخريطة الهارمونية كما انه يصعب القول ان العكس قد حصل!.. قد يمكننا القول بتأكيد ان النزعة والطابع الغنائي كانت دائما موجودة! أما كي نثبت غـَلـَبة الميلودية او الهارمونية على الاخرى فيجب ان نراعي ميلودية الموضوع الذي عمل عليه خليفة كما درجة حساسيته تجاه الميلوديا والشرق.
العمل مبني على التأليف والتجديد والتنويع على مواد تراثية قديمة منها مثلاً (قطر الندى، البلبل نادى غصن البال، ذِكـر، ألا يا زين، موشحات، طقاطيق، قدود، ادوار، لونغات بشارف، سماعيات.. حيث الغنائية والشعرية والطابع التلحيني متمسكة بأوصال ومفاصل تاريخ الموسيقى العربية الذي هو تاريخ غنائي تلحيني (وهذا لا يعطي احد حق اعتباره نقصاً او ضعفاً) بل لعله طابع قوة إذا ما توفر له المؤلف البارع القادر على هضم واستيعاب هذا التراث لتطعيمه وتثويره بمصادر المعاصرة والحداثة .. اذن كان على خليفة ان يمر على هذه الاجواء من داخلها .. عمقها وتفاصيلها طالما اختار موضوعاً حساساً من ناحية المضمون (وإن كان يستهلك سابقاً بشكلٍ سيئ على مستوى التأليف - اعني به التراث الموسيقي).
لكن ولكي لا يقع خليفة في هذا المطب كان عليه ان يفلت ويقاوم بالنسيج البوليفوني وتعدد الاصوات والاوركستراسيون وبكل ما يناسب العمل والموضوع من عناصر العلوم الموسيقية الحديثة واساليب التفكير المعاصرة كالتفكير السيمفوني او حتى الجاز اذا امكن على ان تبقى هذه العناصر والاساليب محافظة الى الحد الاقصى على اجواء الزمان والمكان والوصف والسرد الموسيقي الميلودي الطابع (الغنائي) الضرورية لجهة التصاقها بذاكرة الناس ومزاجهم ولغتهم وادابهم واديانهم وتراثهم الذي هو مجموع كل تلك الاشياء والعناصر (مثلا: غناء بيزنطي - تلوينات كنسية سريانية او غيرها - اجواء اسلامية من الذِكـْر والمدائح والتجويد - بحور شعر - اجواء صحراء - موشحات ...) كلها اجواء توحي بالخشوع والاستغراق والاسترخاء والحنين والنوستلجيا والحميمية حيث لذة واغراء الميلوديا لابد لها لمواجهتها من جهود كبيرة في التأليف البوليفوني والروح الجماعية لتهاليل الكورال والتعاونية بينها جميعاً بالهارمونيا وتلويناً للصوت بالزخرفة ORNAMENTS وتثوير المود باشباعه بروح الثيمة الشرقية له.
الملفت ان المستمع المتخصص يمكن له ان يلاحظ ان مفردات وترددات المعادلات الهارمونية لم تنهل من حقبة تاريخية واحدة، بل نسمع باستمرار تمازج لنماذج مختلفة من الحقبات فهناك نماذج من المرحلة الكلاسيكية والباروك والرومنطيقية والنيورومنطيقية واخرى غيرها.. حتى نراه في الحركة الما قبل الاخيرة ينتقل بالاوركسترا من تشكيل اوركسترا سيمفونية الى تشكيل جاز BIG BAND وهذا التحويل نجح الى حد كبير وبسلاسة من حيث النقلة وبطراوة وبحلاوة من حيث الطابع الغنائي لحركة الجاز تلك.
لكن خليفة وان ترك الخارطة الهارمونية للنص الموسيقي مفتوحة بوليفونياً على كل الحقبات التاريخية من حيث تراكيبها الهارمونية لكنه بقي محافظاً ومتحفظاً CONSERVATIVE في ان يترك للنص ان يختار ما يناسبه او يتناسب معه في كل جملة من جمل السرد الموسيقي في التوليفة الموسيقية للنسيج البوليفوني عامة!! وكأنه كان بذلك يعبـّر عن احترامه لاصل المود MODE في نشأته المقامية الاولى تراثياً! وهذا ينـُمُ ربما عن الجهد البارع في اهتمامه لما يتناسب معه لا اكثر ولا اقل، لا اعقد ولا ابسط فلا يقع في الصخب والاسفاف ولا في الاستغراق الاجوف والحميمية المفرطة في المونوفونيه فتزدهر النفحة والروح الشرقية بما يتناسب معها من العصرنة والحداثوية وهنا الانفتاح على الممكن كله فيتم وضع السرد والوصف الموسيقيين في اطار الزمان (القرن الواحد والعشرون) وليس فقط المكان بل كلاهما معاً الزمان والمكان! وهذا على ما اعتقد غدا من ابرز الخصائص الموسيقية لشخصية خليفة التي تبدو واضحة لنا في اعمال سابقة مهمة له مثل «جدل» وكونشرتو العود والاوركسترا «الاندلس» تـُضاف الى عدة مزايا له منها الروح المشبعة بالتمرد على سيولة الميلودي FLUIDITY OF THE MELODY وهو ما ليس متعارفا عليه عندنا أي كسر الميلودي وهو بذلك يخاطر في كسر «شعبية ما» لصالح فكرة التأليف الموسيقي أولاً ثم ثانياً لصالح تثويره باركسته وتوزيعه وهي كلها متلازمة (تأليف توزيع واركسة) وهو في هذا يلعب مداعباً أجمل فنون التنويع والتلوين للمود الجديد الذي يتطور معه من كسره لسيولة الميلوديا مما يضخ فيها روحا جديدة ودفقاً في التأليف ويضفي جواً من القوة والفرح وهذه حتماً من خصائص المؤلفين الكبار.
باختصار يمكن تلخيص كل ما قيل اعلاه بأن «شرق» لم تأت كلياً لمصلحة الميلوديا، ولا كلياً لمصلحة الهارمونيا، وان ظلت النزعة والطابع الغنائي مزدهرا عبر كل الخريطة البوليفونية للعمل لتُـبقي المود طافحاً بالثيمة الموسيقية الشرقية فيترسخ فيه مناخات الوصف والسرد الموسيقي لتضعهما مباشرة في اجواء الزمان والمكان فيخرج العمل من «شرق السيرة الموسيقية» القديم الى الشرق الجديد، الرؤية الموسيقية المعاصرة بكثير من البلاغة التي ازدحم بها النسيج العام بوليفونياً، وحتى في اللحظات القليلة التي كانت فيها الكتابة تأخذ شكلاً افقياً، أي في اللحظات التي تفردت فيها روح الميلوديا.
اما عندنا انحسرت تلك الروح المونوتونية لصالح البوليفونيا والاركسة نرى تلك التشكيلات اخذت اشكالاً وتراكيب ومعادلات لمراحل وحقبات مختلفة.
ما أن تطالعك تلك المقدمة المسبوكة بقوة تأليف قلّ نظيرها (الحركة الاولى) من حيث الضخامة في التجهيز الاوركسترالي حتى يـُبهر المستمع والمشاهد بذلك الاشراق الذي يزدحم به نسيج البوليفونيا المفتوح على تفاعلات بين الآلات ببعضها وبين الالات ثانيا والكورال فما أن تبدأ الضربة الاولى للايقاع مع الاربيج الذي يقومان به آلتا الهارب «HARP» حتى تبدأ المقدمة مفتوحة وبقوة رهيبة على الديابازون الاوركسترالي كله نرى مجموعات «بيكولو-تويه» مفتوحة بقوة على الات النفخ الخشبي مفتوحة على ديابازون فيلون-كونترباص على ديابازون الكورال فيحدث ما يشبه انفجار درامي يزدحم باحتمالات جمالية مفتوحة على صرخات وتهاليل فيها نوع من انواع التوازن الخفي بين النوستلجيا واستشراق التمرد والقوة والتوق للانعتاق نحو جمال ما مطلق وعلى الرغم من النزعة الغنائية الداخلية يدهشك فيها كيف ضاعت روح الميلوديا واختفت كلياً لتعلن انحسارها لصالح فن التأليف البوليفوني المزدحم بتفاصيل الاوركستراسيون والتثوير! بحيث قد يصعب اللحاق بالمود لمعرفة مع من غدت الجملة الاساسية او المرافقة والمساعدة والهارمونية ومع من الاكورات ومن ينفذ الايقاعات او اجزم ان هذا كان مقصوداً بلا ادنى شك من ضمن فلسفة التأليف التي تعمدت التمرد على سيولة الميلوديا في الحركة الاولى لمقاومة الثيمة لمصلحة التأليف وفتح المود على افاق الاركسة بحيث يتم تثوير النوستلجيا وحنين الاستغراق والاستسلام لقوة الغنائية بالبوليفونيا ! وهذا واضح، لا غبار عليه .. وصل به التأليف الى ذروة البلاغة حتماً! وربما يمكن القول ان هذه قد تكون نماذج ومقترحات للتعامل الموسيقي مع المادة التراثية فيضيع الميلودي رغم بقاء الغنائية واضحة ويزدهر العمل الاوركسترالي بروح الزواج بين الاصالة والمعاصرة ورغم ان البعض قد يجد تعارضاً ما او صعوبة في فهم هذا.. فلا بد من التأكيد ان الموسيقي الاصيل لا بد ان يكون معاصراً.. كما انه ليكون معاصراً بالمعنى الاكاديمي العلمي وبالمعنى الروحي ايضاً فانه لا يستطيع الا ان يكون اصيلاً.
ما ان تنتهي الحركة الاولى يظهر انطباع وكأن انتصاراً او اجواء احتفال بانتصار قد حدث.. فيدخل الموتيف الجديد MOTIVE الذي سنسمعه يتكرر خلال ثنايا الحركة الثانية باشكال مختلفة.. اجملها ما سوف يأخذ طابع «السينكوب» يبدأ الموتيف الجديد اذن لمجموعة آلات النفخ اثنان «فلوت» واثنان«أُبوا» واثنان «كلارنيت» على خلفية بوليفونية لآلة «الباسون». تتناوب هذه الآلات على الموتيف الجديد لتنوِّعْ عليه ثم تُـسلـّمهُ الى الوتريات التي تنوع عليه ايظاً بشكل ايقاعي نقري «PIZZIKATO » ويتطور التأليف وتتالى الحركات الاخرى لتتنوع تقنيات التأليف وتتناوب على الثيمات الاخرى وما ابرع خليفة في التأليف عليها مرة بكسرها لتتناسل معه المودات ومرة اخرى بالتنويع عليها والتحول بها الى جُـمل اخرى وولادات لها يطورها بالايقاعات مرات ومرات .. يظهر هذا اكثر ما يظهر في الحركة الثانية.. وهلم جرا..
اما اهم ما تميزت به روح التأليف عند خليفة في هذا العمل فكان في الدور الاساسي والكبير «للايقاع» حيث لعب ببراعة على تقنياته فخلق نقلات بارعة تشعرك احيانا وكأنها سكك مود.. اما اذكى تقنياته فكانت تمرده على بداية أي ايقاع يباشره .. حيث يبدأ واضحاً فما ان يرتاح المستمع ويشعر بنزعة للاستسلام له حتى يبادر فوراً الى كسره اولاً ثم ينتقل الى ما يشبهه رويداً رويداً ليخرج منه! اما كيف برزت اهمية الايقاع في العمل، فكان اولاً في عدد العازفين وهم ستة عازفين وكان ايضاً غير مألوف حيث جلسوا بالضبط وسط الاوركسترا افقياً وليس في الاخير او الى اليسار او اليمين كما عادةً وكانوا غالباً ما يلعبون ايقاعات مركبة وكان خليفة يستعمل ايقاعات عربية يقوم بتوظيفها بذكاء حيث يلجأ لتضخيم الطاقة التعبيرية بواسطة طريقة عزفها كما حصل مع ايقاع «المصمودي» حيث تم عزفه على الوتريات بالقوس مباشرة وليس بالنقر كما يحدث عادة على اوتارها (ديابازون «فيلون - كونترباص») مما ضاعف من شحنة الطاقة التعبيرية لايقاع المصمودي بشكل ضخم ليفتح عليه موسيقى «قطر الندى» فنقلها من نعومتها وطراوتها الى مستوى عال جداً من القوة والصلابة والعزم وكأنها اجواء احتفالات بانتصار ما سيحدث فوراً ونجح في ذلك الى حدٍ كبير! كما نراه يستعمل ايقاعات عربية اخرى يتلاعب بدرجة توترها لاحقاً فيزيد من عدد ضرباتها او يقللها ليتمرد عليها فيستفز المستمع بجمالية ذكية قبل ان يسترخي لرتابة الايقاع .
بوضوح، يمكن انتشال ايقاع «المصمودي الكبير» 4/4 «والمصمودي الصغير» 2/4 وايقاع «دور هندي»7/8 كما ينجح في استعمال ايقاع السماعي الثقيل 10/8 فيما يشبه اجواء الموشحات! كما يمكن انتشال ايقاع «سماعي دارج» في اشاعة اجواء افراح واحتفالات لكنه يكسرها كما ذكرنا لمصلحة التأليف والتنويع وخلق ايقاعات اخرى وهذه عوامل إذا ما أُضيفت الى تقنيات اخرى استعملها في التوزيع والاركسة، مثل الكريشندات والاربيجات والابوجاتورا والاتشيكاتورا والموردنت والجربيتو والجليسيندات والسينكوب وبقية فنون الحليات والزخرفة والتلوين «ORNAMENTATIONS» كلها ساهمت في اضافة المزيد من الاضواء واجواء اللمعان والزهو والفرح والرقص والغنائية والانتصارات وكأن مجموعة افراح واعراس واعياد ومواسم حصاد وقطاف محاصيل وازهار وعبق من الف نوع ولون وكثيراً ما كان يظهر عبرها العازفون في حالة انتشاء، كان يستعمل الكورال بشكل اساسي وتتحول الاوركسترا الى خلفية له واحيانا العكس واكثر الاحيان في ادوار الكورال كان ينقسم الى اصوات اساسية واخرى مساندة ولكن لشدة تعقد النسيج البوليفوني ينبغي للاذن ان تسعى جاهدة لالتقاط تلك الحالات وهي كثيرة.
كما كان يستعمل الكورال ببراعة للتلوين المقامي كما يستعمله مع الاوركسترا لتنفيذ تقنيات الـ VARIATION MODAL وكان يبرع في الاستفادة منه في توسيع افاق الاركسة والتوزيع، كما يجب التطرق لعملية الاستفادة من تكنيك الـCITAAT الذي استعمله للعبور بين المقاطع كجسر مقامي ربما... فنلاحظ انواعاً منه لطالما استعملها المؤلفون الكبار في اواسط واواخر القرن الماضي واهمها وابرزها كان CITAAT يستعمله المؤلف الكبير CARL ORLF في عمله الضخم CARMINA BURANA وقد استعمله المؤلف اللبناني الكبير منصور الرحباني في احدى اجمل مسرحياته الغنائية «آخر ايام سقراط» كما نسمع في شرق CITAAT اخر من وحي بيرنشتاين واخر يذكر باجواء كوبلاند وكانا مناسبين تماماً للطبيعة الشرقية الخلابة لعمل خليفة وخامتها الميلودية المشبعة بالثيمة، حتى عندما حـوّل خليفة الاوركسترا والكورال الى تشكيلة «BIG BAND» ليلعب على تقنية الجاز بقي المقطع المذكور مشبع بالثيمة التي اخذت تأثيرات من HOLLYWOOD في الاركسة رغم بقاء دور الكورال كبيرا واساسياً، اما اجمل النقلات التي قد تستغربها الاذن الشرقية قليلاً فكانت دور الوتريات (الكمنجات تحديدأ) بعد ضربات الايقاع المنذرة بنهاية العمل قبل الحركة الاخيرة حيث نرى توق ونزعة خفيفة لمقاربة «الكونتربورين» لكنها نزعة عابرة وضمن المود العام ولم تشطح ابداً باتجاه مايعرف بـ الـ ATONAL مما كان لن يتناسب مع العمل لو حدث.
كثيرة هي النقلات والتنويعات والموديلات MODILATIONS والتأليفات عليها والقفلات وانواع الـCITAAT في الاركسة والتي قد يطول الحديث عنها والتي ستأخذنا الى نهاية العمل في ذروته حيث الـAPOTHEOSIS عندما يختم خليفة بالحركة الاخيرة على اساس الحركة الاولى المنفذة على TEMPO اسرع وهي حتماً خاتمة خليقة كنهاية وقفلة لعمل كبير مزدهر بافكار وتفاصيل وتقنيات قد لا ابالغ ابداً اذا قلت انه فيها ما يمكن اعتباره اشكالا، حوافز ومقترحات تطوير وتحديث افاق مشروع التأليف الالي للعقل الموسيقي العربي الجديد في اكثر تطلعاته العالمية للمعاصرة دون ان تغيب عنها اصالتها وارتباطاتها المحلية والجغرافية اللتان يزدهر بهما عمل خليفة الجديد بإشراق.